حزين الزمان مشرف
عدد الرسائل : 56 العمر : 33 المزاج : حزين تاريخ التسجيل : 14/05/2008
| موضوع: إنــــــــذار غــزة الأخــــــــــــير : بقلم: فهمـي هـويـــدي السبت مايو 17, 2008 4:10 am | |
| الحقيقة المسكوت عليها أن حصار غزة طبقا للقانون الدولي يعد جريمة إبادة للبشر, وأن تجويع المحاصرين والامتناع عن أغاثتهم هو جريمة حرب, أما غض الطرف عن ذلك كله فهو جريمة صمت لتلاحق المشاركين فيها بالعار والخزي إلي الأبد.
(1) يوم السبت الماضي(4/25) نشرت الصحف أن ممثلي الدول الكبري( فرنسا, وأمريكا, وانجلترا) انتفضوا غاضبين وغادروا قاعة مجلس الأمن في أثناء جلسة عقدت لاستصدار بيان رئاسي عن الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة, وكان مصدر غضبهم أن مندوب ليبيا في المجلس السفير إبراهيم دباش قال في كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة: إن الوضع في قطاع غزة يشبه معسكرات الاعتقال النازية, هذا التشبيه جرح آذان مندوبي الدول الثلاث, فقرروا مغادرة القاعة احتجاجا, وصدر بيان عن البعثة البريطانية لدي المجلس استنكر كلام المندوب الليبي, معتبرا أن هذه اللغة لا تساعد في تقدم عملية السلام, وكانت النتيجة أنه تم تعليق الجلسة, وفشل المجلس في إصدار بيان يحدد موقفا إزاء الحاصل في غزة.
من مفارقات الأقدار أنه في الوقت الذي أعلن فيه ممثلو الدول الكبري الثلاث عن غضبهم إزاء تشبيه ما يحدث في غزة بما جري لليهود علي أيدي النازية الألمانية, كانت وكالات الأنباء تبث تصريحا للناطق بلسان وكالة غوث اللاجئين الأونروا من غزة أعلن فيه أن حياة مليون فلسطيني أصبحت في خطر, بعد تعليق الأمم المتحدة نشاطاتها في القطاع نتيجة الحصار, ونقلت الوكالات ما قاله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في غزة في مؤتمر صحفي من أن نفاد الوقود من شأنه أن يؤدي إلي وقف جميع العمليات الإغاثية وتوزيع المواد التموينية للأونروا وبرنامج الغذاء العالمي. فالمطاحن ستتوقف عن العمل, ولن يجد الصيادون وقودا لقواربهم, ولن يتمكن المزارعون من ري زراعاتهم, إضافة إلي شلل الصناعات والمستشفيات العامة, وهذا كله لم يحرك شيئا لدي ممثلي الدول الكبري, وغيرهم, لأن الفلسطينيين لا بواكي لهم.
في اليوم نفسه كانت عدة جمعيات وهيئات فلسطينية قد شرعت في تدشين مقبرة رمزية بالقرب من معبر رفح الحدودي لضحايا الحصار, الذي تسبب في موت136 شخصا, لم يتمكنوا من مغادرة القطاع للعلاج في الخارج.
(2) الصورة في القطاع أسوأ كثيرا مما يتصور أي إنسان, حتي إن كل وصف لما يحدث هناك في ظل الحصار يعجز عن نقل الحقيقة كما هي علي الأرض, وقد قلت ذات مرة إن القطاع لو أنه كان حديقة حيوانات في أي مكان بالكرة الأرضية لهب المدافعون عن حقوق الحيوان وملأوا الدنيا ضجيجا, داعين إلي وقف إبادة الكائنات التي تعيش في أقفاصها, ووراء أسوارها, وبرغم أن الإسرائيليين ومن لف لفهم نجحوا في نزع الإنسانية عن الفلسطينيين, فإن أبواقهم كثيرا ما ضنت عليهم بحقوق الحيوانات.
وللتذكرة فقط فإنه عندما فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية( في2006/1/25) شددت إسرائيل حصارها علي قطاع غزة, لإجبار حركة حماس علي الاستجابة لطلباتها التي تحولت فيما بعد إلي شروط الرباعية الدولية( الاعتراف ـ وقف المقاومة ـ تأييد الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل), وحين رفضت قيادة حماس الانصياع لهذه الضغوط, استمر الحصار الإسرائيلي والدولي برغم صدور قرار من وزراء الخارجية العرب في العام نفسه برفع الحصار, لكنه لم ينفذ.
وبعد سيطرة حماس علي قطاع غزة في2007/6/15 شددت إسرائيل من حصارها البحري والبري والجوي, وأعلنت غزة كيانا معاديا( برغم أنها تحت الاحتلال عمليا), وأغلقت المعابر الحدودية للقطاع, ومنعت أهالي غزة من الدخول أو الخروج منه, كما منعت دخول البضائع إلا في حدود ما يسد الرمق, وهددت بقطع الوقود, وفي2008/1/18 أمر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بإغلاق كل المعابر في قطاع غزة, وبعد ذلك بيومين قطعت إسرائيل الوقود بشكل كامل عن القطاع.
هذه الإجراءات أدت إلي إصابة القطاع بالشلل الكامل, الأمر الذي أوقف العمل بجميع أنشطته في مجالات التعليم, والصحة, والصناعة, والتجارة, والمقاولات, وحين وصل الأمر إلي حد قطع التيار الكهربائي والتحكم في الوقود والمياه, ازدادت الأوضاع تدهورا, وللعلم فإن القطاع الذي يبلغ عدد سكانه مليونا ونصف مليون نسمة85% من سكانه لاجئون, الأمر الذي يعني أن اعتمادهم شبه كامل علي وكالة غوث اللاجئين, التي تجلب كل احتياجاتهم من الخارج.
حسب تقديرات اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار فإن الخسائر الشهرية المباشرة التي يتكبدها القطاع منذ منتصف شهر يونيو الماضي تقدر بـ45 مليون دولار, والمعلومات كثيرة عن خسائر الأنشطة المختلفة, سواء في تقارير مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية, أو اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار, من هذه المعلومات علي سبيل المثال: * تم تسريح75 ألف عامل من مجموع110 آلاف عامل بالقطاع الخاص, أما قدرة ذلك القطاع علي الإنتاج فقد تدنت إلي11% من طاقته الطبيعية, وخلال الأشهر الأولي من الحصار خسر رجال الأعمال ما يعادل100 مليون دولار, لأن إسرائيل منعت إدخال البضائع التي استوردوها. * بسبب الحصار تم إغلاق96% من المنشآت الصناعية(3900 منشأة) التي تعتمد في خاماتها علي الاستيراد, وحسب د. جمال الخضري رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار فإن ذلك الإغلاق أدي إلي إضافة65 ألف شخص إلي جيش العاطلين عن العمل. * حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة المشار إليه فالقطاع يضم70 ألف دونم من الأراضي الصالحة للزراعة, تنتج ما بين270 و300 ألف طن من المنتجات الزراعية في العام, توفر الغذاء لربع السكان, لكن الإغلاق ومنع إدخال الأسمدة والأدوية الزراعية أدي إلي إتلاف80% من المحاصيل, وبسبب هذه المعوقات فإن قطاع الزراعة يخسر يوميا نحو نصف مليون دولار. * التجار البالغ عددهم2000 شخص أوقف نشاطهم, يكفي أن تعلم أن القطاع كان يستقبل يوميا700 شاخنة لنقل البضائع المستوردة, لكن هذا الرقم انخفض إلي نحو100 شاحنة, وفي حالات الإغلاق الكامل يصل العدد إلي ما دون ذلك. * كل مشروعات البناء التي تنفذها الأونروا توقفت, وهي التي كانت تشكل مصدر دخل لما يزيد علي121 ألف شخص, في الوقت نفسه فإن جميع مصانع البناء أغلقت, مما تسبب في فقدان3500 وظيفة. * حسب تقرير مكتب الأمم المتحدة فإن8 من كل10 عائلات أصبحت تعيش تحت حد الفقر, وحسب تقرير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان فإن90% من سكان القطاع أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر. * في بداية السنة الحالية كانت السلطات الإسرائيلية قد منعت نحو ألف مريض من السفر لتلقي العلاج في الخارج, علما بأن في القطاع450 مريضا بالسرطان, و400 مريض بالفشل الكلوي, وما بين400 و450 مريضا بالقلب لا يجدون علاجا بسبب نقص الأدوية, وانقطاع التيار الكهربائي, علما بأن450 صنفا من الأدوية نقصت من الصيدليات والمستشفيات. * توقفت مسيرة ربع مليون تلميذ في مدارس القطاع, فلا كتب, ولا كراريس, ولا إمكانات للوصول إلي المدارس من جانب الطلاب, والأساتذة, كما منع670 طالبا من مواصلة دراستهم في الخارج, وفي دراسة أجرتها وكالة الأونروا فإن نسبة غياب التلاميذ وصلت إلي80% في بعض الصفوف, وإلي90% في صفوف أخري. (3) حسب المادة السادسة من القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإن الإبادة عرفت بأنها كل تصرف من شأنه فرض أوضاع معيشية علي جماعة من الناس تؤدي إلي تدمير حياتهم كليا أو جزئيا, وفي المادة الثامنة من القانون الأساسي نفسه تعرف جرائم الحرب بأنها تشمل تجويع البشر, أو تعمد منع إيصال المواد الإغاثية إليهم.
هاتان المادتان مسكوت عليهما تماما الآن, ولا أعرف لماذا تجاهلتهما المنظمات الحقوقية الفلسطينية والعربية, لأنهما تعريان تماما الجريمة الراهنة, سواء في شقها الخاص بفرض الحصار من جانب إسرائيل, أو في جانبها المتعلق بإيصال المؤن وتسيير الحياة علي المحاصرين, فكلتاهما من جرائم الحرب التي تستحق محاكمة وفضحا لها أمام المحافل الدولية.
صحيح أن إسرائيل تعمد في أغلب الأحوال إلي السماح بإيصال الحد الأدني من المعونات لمجرد أن يبقي الناس علي قيد الحياة, دون أن يسمح لهم بأي نمو أو حركة, إلا أن ذلك النزر البسيط يصيب الحياة في القطاع بالشلل الذي أشرت إلي بعض مظاهره, وهو ما ينطبق عليه النص المشار إليه في القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية, الذي يعتبر التدمير الجزئي للمجتمع مما ينطبق عليه وصف إبادة الجنس.
حين سألت الدكتور صلاح عامر أستاذ وخبير القانون الدولي في هذه النقطة, كان من رأيه أن ما تمارسه إسرائيل في غزة يخول أي دولة عربية موقعة علي اتفاقية المحكمة الجنائية أن تقدم طلبا إلي المدعي العام للتحقيق مع الحكومة الإسرائيلية في تهمة الإبادة بالقطاع, وقال: إن دولتين عربيتين فقط صدقتا علي تلك الاتفاقية هما الأردن وجيبوتي, بالتالي فتستطيع الحكومة الأردنية أن تتقدم بذلك الطلب.
في رأي الدكتور صلاح عامر أيضا أن مصر في هذه الحالة لها أن تفتح معبر رفح وأن تديره, دون أن يكون في ذلك مخالفة للقانون الدولي الإنساني, يعزز موقفها في ذلك أنها ليست طرفا في اتفاقية المعابر( التي وقعت بين الفلسطينيين والإسرائيليين), فضلا عن أن مدة الاتفاقية كانت لمدة سنة وتم تجاوزها, ثم إن إسرائيل أعلنت عن انسحابها من القطاع من طرف واحد, ولم تتوقف عن ممارسة العدوان علي سكانه, ناهيك عن أن الحصار والتجويع يفرضان علي دولة جارة مباشرة مثل مصر أن تمارس مسئوليتها الإنسانية والتاريخية في هذا الصدد.
(4) ما الذي يمكن أن يحدث إذا لم يقع شيء من هذا ولا ذاك؟
قبل أيام قليلة قرأت علي شبكة الإنترنت ردا علي السؤال كتبه الدكتور إبراهيم حمامي, المثقف الفلسطيني البارز المقيم في لندن, كان الرد في ثنايا مقاله تحت عنوان إنذار غزة الأخير, أشار فيه إلي أن ساعات باتت تفصلنا عن إعلان بداية تنفيذ الإعدام الجماعي علي مليون ونصف مليون فلسطيني, ومع العد التنازلي لإعدام القطاع هناك عد تنازلي آخر يفرضه القطاع علي المشاركين في حصار وقتل أهله, ذلك أن ثمة انفجارا وشيكا سيكون مدمرا, بحجم دمار المعاناة والحصار, وأضاف أن غزة وجهت إنذارها الأخير حين أعلنت علي الملأ: لن نموت بصمت, ولن نموت وحدنا, وبعد إعلان ذلك الإنذار علي الجميع أن يختاروا: إما رفع الحصار والظلم عن الفلسطينيين الآن, أو الانفجار.
إن جريمة الصمت علي تنفيذ ذلك الإعدام الجماعي, لا تقل فداحة عن جريمة الفاعلين والمشاركين والمحرضين, ويدخل ضمن هؤلاء الذين يحاولون تضليلنا وإعفاء الاحتلال واعوانه من المسئولية عما جري ويجري. | |
|